امتحان فلسطيني جديد.. في «اليرموك»

1٬314 views مشاهدة
أخر تحديث : السبت 11 أبريل 2015 - 9:18 مساءً
امتحان فلسطيني جديد.. في «اليرموك»

شهدت أزمة مخيم اليرموك انعطافه كارثية عصفت بالجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق يحيده عن الصراع الدائر في سورية، وقد كان الاتفاق برسم التوقيع بعد يومين فقط من تاريخ اقتحام تنظيم «داعش» للمخيم بمساعدة حليفته «جبهة النصرة»، التي من المفترض أنها معينة أيضاً بتوقيع الاتفاق.
التداعيات الخطيرة لهذا الاقتحام ظهرت منذ وقوعه على إيقاع الاشتباكات العنيفة التي دارت في أرجاء المخيم بين المجموعات المسلحة، ووضعت سكانه مجدداً في دائرة مغلقة من الموت، في الوقت الذي كانوا يستجمعون فيه ما تبقى لديهم من أقل في إنجاز حل سياسي يضع حدا لمعاناتهم.
يمكن القول إن دخول «داعش» على خط أزمة اليرموك بهذه الطريقة يضع أمام الحالة الفلسطينية تحد جديد وامتحان آخر حول قدرتهم في التوصل إلى توافق حول كيفية التعامل مع هذا التطور الخطير.
• من أولى تداعيات اقتحام «داعش» لليرموك أنه وضع من تبقى من سكانه أمام خيار قسري لمغادرته والنجاة بحياتهم، بعد أن دشن هذا التنظيم الإرهابي حضوره في المخيم بسلسلة من عمليات القتل والإعدام.
هذا الخيار القسري يبرز في وقت بذلت فيه الجهود الفلسطينية من أجل تأمين حل سياسي لأزمة المخيم يعيد سكانه النازحين إليه. فخطر تفريغ المخيم من أهله كافة يضعف مكانته، ويفتح الباب على تكريسه ميدان اشتباكات مفتوحاً نظرا لموقعه الملاصق للعاصمة السورية، دمشق.
المؤسف أن بعض الأصوات تصاعدت بالقول إن إنقاذ اللاجئين الفلسطينيين في سورية يتطلب نقلهم إلى أراضي الضفة الفلسطينية، ووجدت بعض الجهات الدولية فرصتها في تقزيم بحث قضية اللاجئين الفلسطينيين من زاوية إغاثتهم كنازحين، وأنعش ما يجري في سورية سيناريوهات كانت أودعت الأدراج تتحدث عن توطينهم في بلاد مختلفة في أوروبا وغيرها.
لذلك، فإن أي تطور من هذا النوع على صعيد أزمة مخيم اليرموك، يصب في النتيجة والمقدمة معا في استهداف قضية اللاجئين الفلسطينيين ويضعهم وقودا للصراعات الداخلية وفق أجندات ومصالح إقليمية ودولية متعددة.
• وأدى هذا الاقتحام إلى وضع التوافق بين الفصائل الفلسطينية الـ14 في سورية حول خيار الحل السلمي لأزمة المخيم، في مهب تجاذبات جديدة بين هذه الفصائل. بعد أن أخذ التوصل إلى هذا التوافق الكثير من جولات البحث والحوار بينهما إلى حين إقراره واعتماد مسارا للجهد الفلسطيني المشترك وخطابا موحدا في الحوار مع الأطراف المعنية بأزمة المخيم.
ليأتي اقتحام «داعش» للمخيم ويعطل الاتفاق الذي كان من المزمع توقيعه بين الأطراف المعنية، وعمل على خلط الأوراق، وشكل صدمة للجهود التي كانت تبذل على هذا الصعيد.
وقيمة تدارس ما حصل فيما بين الفصائل الفلسطينية الـ14 في سورية ضروري وملح، وتكمن قيمة البحث في التوصل إلى توافق فيما بينها حول سبل التصدي لهذا التطور الخطير ومعالجته بأسرع وقت ممكن وفق استراتيجية واضحة تضع مصلحة اللاجئ الفلسطيني ومخيمه في المقام الأول، وتوظف لخدمة ذلك ما يتوافر من إمكانات.
وربما من الضروري أن نشير إلى مغبة تصعيد التجاذبات حول هذه المسألة والتأكيد على ضرورة التوصل إلى توافق يمكن الحالة الفلسطينية العامة من التصدي لتحديات هذا التطور الخطير والحد من تداعياته الكارثية على حياة اللاجئين الفلسطينيين ومستقبلهم.
وإذا كانت المجموعات المسلحة تصارع وتتصارع من أجل السيطرة على المخيم دون احتساب لكلفة ذلك من حياة اللاجئين الفلسطينيين وممتلكاتهم، فإن مسار الجهد الفلسطيني كان يدفع دوما باتجاه انقاذ المخيم وسكانه واستعادته والدفاع عن مكانته ورمزيته في سياق النضال من أجل تجسيد حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها إبان النكبة.
• ومن تداعيات هذا الاقتحام أنه يمضي في الاتجاه المعاكس للجهد الفلسطيني بخصوص أزمة اليرموك وباقي المخيمات في سورية، فهو يسعى إلى وضع المخيمات (وأولها اليرموك) في قلب الأزمة السورية وتحويله جبهة رئيسية من جبهات الصراع، ويعرف «داعش» ومن معه أن اقتحام «اليرموك» سيكون له أصداء إقليمية ودولية متعددة وهو ما حصل بغض النظر عن خلفية كل ردة فعل ربطا بصاحبها وموقعه من الصراع الدائر، ومصلحته في استخدام أي تطور يرى فيه خدمة لأجندته الخاصة.
على ما سبق، يستدعي التطور الخطير الذي لحق بمخيم اليرموك ومن تبقى من سكانه على الحالة الفلسطينية، وأولاً منظمة التحرير ومؤسساتها ذات الصلة أن تكثف من جهودها لإنقاذ المخيم وباقي المخيمات الفلسطينية في سورية والبحث الجدي في معاناة أهلها.
لقد أهملت قضية اللاجئين الفلسطينيين على أجندة منظمة التحرير في العقود الأخيرة. في الوقت الذي تعرض فيه اللاجئون في مواقع متعددة إلى مخاطر شديدة أدت إلى تشريدهم مجدداً كما حصل مع الفلسطينيين في العراق ، وما يعانيه اللاجئون الفلسطينيون في لبنان من ظلم تحت وطأة قوانين رسمية مجحفة تمنعهم من حقوقهم الإنسانية وتقيد حريتهم في العمل والتملك.
إن أبرز عوامل الضعف الكامنة في الموقف الفلسطيني تجاه الأزمات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني هو الافتقاد إلى موقف موحد في سياق البحث عن حل لهذه الأزمات، وحضرت تداعيات الانقسام وتجلياته حتى في بحث القضايا المصيرية التي تتهدد مستقبل الشعب الفلسطيني سياسياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً، في الوقت الذي تتطلب فيه التحديات القائمة الخروج من السياسات الفئوية والجهوية وتغليب المصلحة الوطنية العليا.
فإذا كانت أزمات كبرى مثل التي يعانيها الشعب الفلسطيني في تجمعاته المختلفة لا تشكل حافزاً لدى المنغلقين في خنادقهم الذاتية للخروج منها والانفتاح على معاناة الفلسطينيين.. فما هي تلك الدوافع «السحرية» التي يمكن أن تدفعهم للقيام بذلك.
• رئيس تحرير مجلة الحرية.

رابط مختصر

أضـف تـعـلـيق 0 تـعـلـيـقـات

* الإسم
* البريد الألكتروني
* حقل مطلوب

البريد الالكتروني لن يتم نشره في الموقع

شروط النشر:

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.