أطفال غزة.. وواقعٌ لا يشبه “حقوق الإنسان”

65 views مشاهدة
أخر تحديث : السبت 4 يونيو 2022 - 10:56 صباحًا
أطفال غزة.. وواقعٌ لا يشبه “حقوق الإنسان”

“فقرٌ، وحصار، وغيابٌ كاملٌ للحقوق، ووضعٌ نفسيٌ متدهور وسط غيابٍ لعوامل النهوض”، هكذا وصف المحامي باسم أبو جري الباحث في مركز الميزان لحقوق الإنسان واقع الأطفال في قطاع غزة.

أطفالٌ فقدوا حياتهم، وآخرون تآذوا جسديًا في واقعٍ يفتقد للمواءمة تقريبًا في كل الأماكن، وظروف معيشية قاسية. كل هذا يتواصل في وقتٍ يُفترض أن العالم فيه يُحيي اليوم العالمي للأطفال الأبرياء ضحايا العدوان، الذي يوافق تاريخ الرابع من يونيو/ حزيران، في كل عام.

التاريخ الذي أقرّته الأمم المتحدة عام 1982م، نظرًا لما روّعها من جرائم إسرائيلية ارتُكبت بحق الأطفال الفلسطينيين واللبنانيين حينها، لم يُثر انتباه العالم على ما يبدو، فالجرائم ما زالت تتواصل بحق الأطفال الفلسطينيين البالغ عددهم 2.35 مليون، أي بما نسبته 43.9% من السكان، بواقع (41.7% في الضفة الغربية، و 47.3% في قطاع غزة).

يقول أبو جري في مقابلةٍ مع “نوى”: “واقع الأطفال في قطاع غزة سيء نتيجة جملة من العوامل ذات العلاقة بالبيئة الداخلية والاحتلال؛ فالهجمات الحربية للاحتلال على المدنيين وممتلكاتهم، تسبّبت في فقدان أطفالٍ لحياتهم وبيوتهم، والحصار الذي يفرضه على القطاع منذ 15 عامًا انعكس سلبًا على مجمل الخدمات التعليمية، والصحية، والبيئية، والثقافية، والحق في السكن، وحرية التنقل، والحركة، وغيرها”.

في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة خلال مايو/ آيار 2021م، قَتَلَ الاحتلال الإسرائيلي 67 طفلًا أثناء قصف بيوت المدنيين، إضافةً إلى خمس أطفال قتلهم في الضفة الغربية خلال شهر مايو وحده.

يقول أبو جري معقّبًا على جرائم استهداف الأطفال: “إن الاحتلال الإسرائيلي لا يحترمُ التزاماته التي فرضتها اتفاقية جنيف الرابعة تجاه المدنيين وممتلكاتهم، التي فرضت حماية مضاعفة للفئات الهشة وهم الأطفال، والمرضى، والنساء، فنجد أنه يستهدف مناطق مكتظة بالسّكان، ويقصف أبراجًا وعمارات سكنية، وهذا يلحق خسائر بشرية كبيرة بالمواطنين، وعلى رأسهم الأطفال.

وتابع أبو جريّ: “الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة انعكس على حق الأطفال في تلقي الرعاية الصحية، فوزارة الصحة لديها احتياجات أساسية، وموارد بشرية غير ملبّاة، فلم يعد ممكنًا تنمية هذا القطاع في ظل الحصار، ليبقى البديل هو العلاج بالخارج، المحكوم بموافقةٍ من الاحتلال الإسرائيلي، الذي إما أن يرد بالرفض المباشر أو المبطّن عبر عدم الرد”، مستدركًا: “أما الموافقة على خروج الطفل، ورفض المرافق فهذا عرقلة جلية لرحلة علاجه، وهذا يؤثر على حق الأطفال في الرعاية الصحية”.

وشهد عدوان مايو 2021م على قطاع غزة، إصابة 704 من الأطفال نتيجة الهجمات الحربية للاحتلال، سبقها إصابات مماثلة إبّان مسيرات العودة عام 2018م، وهو ما يعني أن الاحتلال ينتهك السلامة الجسدية للأطفال بشكلٍ مباشر.

يعقّب أبو جري: “الاحتلال يمتلك تكنولوجيا تمكّنه من التعرف على ضحاياه عن بُعد، وفي مسيرات العودة تم استهداف العديد من الأطفال، ومنهم من فقدوا حياتهم، أو سلامتهم الجسدية، ليصبحوا من ذوي الإعاقة، ثانيًا: فإن الرعاية الصحية لهؤلاء الأطفال ضعيفة في ظل الحصار وانعكاسه على النظام الصحي كما سبق الذكر، إضافة إلى تبعات الانقسام السياسي الفلسطيني”.

وتشير بيانات مركز الميزان لحقوق الإنسان إلى أن الأطفال من ذوي الإعاقة، يفتقدون إلى سبل المواءمة في العملية التعليمية، وهذا يتطلب توفير موازناتٍ كبيرة، نظرًا للاحتياج إلى مواءمةٍ داخل أسوار المدرسة، من غرفٍ صفيّة، ومراحيض، وأدوات مساعدة تشمل: كراسي متحركة، وكراسي كهربائية، وسماعات أذن، وأجهزة مكبرة لذوي الإعاقة البصرية، وأجهزة طباعة، إضافة إلى رصف الطرق المؤدية للمدارس، “فهناك 42 مدرسة تحتاج طرقها إلى تعبيد، و99 مدرسة بحاجة إلى مواءمة حيث هناك 3001 من ذوي الإعاقة يدرسون فيها، ما بين ذوي إعاقة سمعية، وبصرية، وحركية، وهذه البيانات تخص مدارس حكومية فقط، لكنه يوضح إلى أي حد يعاني الأطفال من ذوي الإعاقة في رحلتهم التعليمية.

وتشير تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، إلى أن عدد الأشخاص من ذوي الإعاقة في قطاع غزة، بلغ 127962، منهم 72425 ذكرًا، و55537 أنثى، يعانون صعوبةً شديدة في تلقي الخدمات؛ ناهيك عن غياب مواءمة المرافق العامة لهم.

وتشير هذه البيانات إلى أن 2.4% من الأطفال في الفئة العمرية بين 2 و4 سنوات، لديهم إعاقة واحدة بواقع 2% في الضفة و3% في القطاع، بينما بلغت 15% في الفئة ما بين 5 و17 عامًا في فلسطين، بينما بلغت 17% في الضفة، و 13% في القطاع.

ويضيف أبو جري: “إن مدارس قطاع غزة تعاني من الاكتظاظ الشديد، فقد بلغ عدد الأطفال في الغرف الصفية ما معدله 41 طالبًا في مدارس وكالة الغوث، و39 طالبًا في المدارس الحكومية، بينما هناك عجز عن بناء المدارس بسبب الحصار الإسرائيلي، الذي منع دخول مواد البناء لسنوات طويلة إلى قطاع غزة، ناهيك عن الاعتداءات الإسرائيلية التي استهدفت العديد من المدارس بالقصف، مما فاقم المشكلة”.

وتسببت مشكلة القصف المستمر على المدارس والبيوت، في تراجع واقع الصحة النفسية للأطفال في قطاع غزة، إذ شهدت مراكز الصحة النفسية تزايدًا في الإقبال على طلب الخدمة وفقًا لآخر المعطيات.

وقال أبو جري: “بالمقارنة بين طلبات الصحة النفسية في الفترة الواقعة بين العامين 2020م، و 2021م، ارتفعت النسبة من 78662 طلبًا، إلى 90887 طلبًا، أي بواقع 15%، ورغم ذلك لم يطرأ أي زيادة على عدد مراكز الصحة النفسية في قطاع غزة، والمنحصرة في 6 مؤسسات، ومستشفى واحد للطب النفسي.

وتحدث أبو جريّ عن استهداف الاحتلال الإسرائيلي للأطفال بالاعتقال، وتعريضهم للتحقيق والتعذيب الجسدي والنفسي، إذ يعتقل الاحتلال أكثر من 500 طفلًا في ظروف قاسية.

وقال أبو جري: “قوات الاحتلال تقتحم البيوت في الضفة الغربية، وتعتقل الناس أمام أطفالهم مما ينعكس سلبًا على صحتهم النفسية للأطفال، كما يتم اعتقال أطفال بطرقٍ عنيفة، وبعدها يتعرضون للتعذيب”، مضيفًا: “إن الميزان قبل عامين أجرى تحقيقًا حول الأطفال الفلسطينيين الذين يفرون من قطاع غزة باتجاه الحاجز الشرقي للقطاع، حيثُ يُطلِق الاحتلال النار تجاههم، ويفلتون الكلاب البوليسية، ثم يعرضونهم لطرق تحقيقٍ قاسية، وكل هذا انتهاكٌ للقوانين الدولية، التي توفر الحماية للأطفال”.

وعن حياة الأطفال في القطاع المحاصر، الذي ترتفع فيه نسبة الفقر إلى 56% وفق توثيق المرصد الأومتوسطي لحقوق الإنسان، حيث غالبية الأطفال هم من اللاجئين الذين يعيشون حياة قاسية في المخيمات التي تفتقر للخدمات، يقول أبو جري: “يوجد داخل قطاع غزة 8 مخيمات تعاني من عدم تلبية احتياجاتها، فالبيوت ضيقة وصغيرة، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين تعاني من تراجع الدعم الدولي لها، مما انعكس سلبًا على خدماتها هناك، فغالبية البيوت لا تصلها المياه الصالحة للشرب، كما أن الحر الشديد فيها يدفع الأطفال إلى الخروج للعب في الشارع، مما يعرض حياتهم للخطر في ظل عدم وجود متنزهات لهم”.

وتابع: “إن غياب خدمة يكون عادة مرتبطًا بخدمات أخرى؛ مثل الكهرباء التي تنقطع 8 ساعات يوميًا فتؤثر على توفر المياه الصالحة للشرب، وفي ظل حالة الفقر، فإن غالبية العائلات لا تستطيع أن توفر مواتير لرفع المياه إلى البيت، أو خزانات أرضية لتوفير المياه، وهو ما يحرم اللاجئين احتياجات أساسية مثل المياه”، مردفًا بالقول: “هذه ظروفٌ قاسيةٌ جدًا على الأطفال، الذين يُحرمون حقهم في تلقي الرعاية الصحية، وتوفير المياه الصالحة للشرب، والغذاء، وحتى توفير أماكن للعب، ناهيك عن عدم تعبيد الشوارع لهم”.

وختم أبو جري: “إن مؤسسات حقوق الإنسان في فلسطين تعمل دائمًا على توثيق كل هذه الانتهاكات بحق الأطفال، ورفعها إلى مؤسسات الأمم المتحدة، ومجلس حقوق الإنسان، ليبقى العالم على اطلاعٍ دائمٍ بما يجري، لكن الحقوق للأسف لا تأتي بضربة واحدة إنما بتراكم النقاط”، مطالبًا الأمم المتحدة بمحاسبة الاحتلال على جرائمه بحق الطفولة في فلسطين، “فمن أمن العقاب أساء الأدب، وهذا ما يحدث حاليًا”.

تقرير : شيرين خليفة

رابط مختصر

أضـف تـعـلـيق 0 تـعـلـيـقـات

* الإسم
* البريد الألكتروني
* حقل مطلوب

البريد الالكتروني لن يتم نشره في الموقع

شروط النشر:

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.